للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغيرة على الحقائق والمصالح (١)

متى نظر الإنسان، أو تدبر أمراً، ووثق بأنه حقيقة أو مصلحة، وجد في نفسه ارتياحًا عندما يلاقي شخصًا يشاركه في الشعور به، ويكون ارتياحه أشد حيث يراه يعمل على مقتضى هذا الشعور، كما أنه يتألم حينما يشاهد امرأً ينكر تلك الحقيقة أو المصلحة، ويكون تألمه أشد حيث يراه مجداً في مناوأتها، سالكاً غير سبيلها، وهذا التألم الذي يشتد، فيدفعك إلى أن تسهب في إيضاح وجه الحقيقة أو المصلحة، أو تعمل على أن تكف من يبغي عليها ما أمكنك، هو ما نعنيه بالغيرة.

فإذا حدثك الرجل في أمر، وأراك أنه مطمئن إلى أنه حق، ثم لا تلبث أن تراه متحيزًا إلى من يكيد له، ويدعو إلى من ينقضه، فاعلم أنه خالي القلب من الاطمئنان إليه، وإنما أراك ظاهرًا يخالف ما يكنه صدره، وتطمئن إليه نفسه. والعقل السليم لا يستطيع أن يفهم كيف يجتمع الإيمان بالحق مع موالاة من يحاربه في السر أو العلانية، فالغيرة على الحق من مقتضيات الإيمان به، تقوى بقوته، وتضعف بضعفه، وتفقد حيث لا يكون القلب مؤمناً.

وفي الناس من يلهج بكلمة: "التسامح" يملأ بها فمه، حتى لا تنكر


(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثالث من المجلد الثالث الصادر في شهر شعبان ١٣٤٩ هـ.