لحسن البيان أثر كبير في تهذيب النفوس، وتقويم العقول، وتربية العواطف الشريفة. ومن أنفس فنون البيان: فن الشعر، ولجودة الشعر ورقيَّة في معارج البلاغة أسباب معدودة؛ ومن هذه الأسباب: أخذه بالنقد، ووزنه عندما يعرضه صاحبه بميزان العلوم الأدبية، والذوق السليم. وإذا نظرت إلى العصور أو البلاد التي أدرك فيها الشعر منزلة سامية، رأيت أدباءها كيف كانوا ينقدون ما تصنعه قرائح الشعراء نقد الصيارفة للدرهم أو الدينار، فيجزون كل شعر بما يستحق من قبول وإطراء، أو إنكار وازدراء؛ وأذكر على وجه المثل: العهدَ الذي ظهر فيه أبو تمام والبحتري وأضرابهما؛ فإن وطيس النقد كان يومئذ حاميًا، ومن شواهد هذا: أن عبد الله بن طاهر والي خراسان الذي ألّف له أبو تمام "ديوان الحماسة"، كان لا يجيز شاعرًا إلا أن ينظر في قصيدته أبو العميثل، وأبو سعيد الضرير، ويشهدان لها بالإجادة، بل كنّا نرى كثيراً من الأمراء والخلفاء في أزمنة رقي الشعر ينقدون ما ينشد بحضرتهم من الشعر، فيميزون رديئه من جيده، وستسمعون في هذا النموذج أمثلة من انتقادهم الدال على سلامة الذوق، والإلمام بفنون البيان.
(١) محاضرة ألقيت بجمعية الهداية الإسلامية بالقاهرة، ونشرت في مجلة "نور الإسلام" العدد التاسع من المجلد الأول - رمضان ١٣٤٩ هـ.