أيام في "المريجات" بلد من جبل لبنان اتخذت محجراً صحياً لمن يرد من نواحي دمشق، ولو أني لبثت هذه المدة عن داعية خاطر مني، لحسبتها في أيام الارتياض بمشاهدة المناظر الزاهرة.
وممن قاسمني في هذه الإقامة، وقد سبقني إليها بيوم: الذكي السيد إبراهيم المستنطق بعدلية بيروت، وكان يسايرني في شعاب هذه القرية التي هي على قمة جبل، ويطوف بي على ما حولها من الرياض الرائقة، والأنهار الدافقة، وربما جلسنا على ربوة مطلة على مظاهر لا تسأم العيون من التمتع بمرآها الجميل، وكان في خلال ذلك المطاف يطارحني الأدب، وينشدني من شعره باللسانين العربي والتركي، وقلت في هذه الإقامة:
بين "المريجات" ما تحلو مناظره ... للطرف لكنّ نفسي سامها ضجرُ
والنفس تضجر من دار المقام على ... رغم وإن كان من سمّارها القمر
انطلقنا من "المرايجات" يوم الجمعة، وصعد من بعض مواقف الرتل رجل من أهالي لبنان يقارب في نطقه العربية الصحيحة، وكان هذا الرجل يلاحظ عباراتي، ويتفقدها من حيث الإعراب، حتى قال لي في آخر المحادثة، عندما أزمع على الانصراف:"هل جميع التونسيين يلفظون بالعربية؟ "، فقلت له:"لا يتفاوتون في قرب ألسنتهم منها، وإنما الذين ينسجون على منوالها، ويتحرون أساليبها هم طوائف أهل العلم والأدب.
* محاضرة شفيق المؤيد:
وصل الرتل إلى محطة ييروت، فألفيت السيد إبراهيم الذي كان يصاحبنا بالمريجات في انتظارنا، فقصدنا إلى خان يسمى: "قصر البحر"، وهذا القصر من أجمل المنازل من حيث التنسيق والموقع، ومن أهم ما روعي في مرافقه: