بيت فسيح، فيه زرابي مبثوثة أعد لأداء الصلوات، وطالعت في أحد جدران مقعده العام معلّقة، رسمت بها قصيدة للشاعر الشهير السيد معروف الرصافي في وصف هذا القصر، يقول في طالعها:
لعمرك إن قصر البحر قصرٌ ... به يسلو مواطنَه الغريبُ
وتمتلئ العيون به ابتهاجاً ... إذا نظرت وتنشرح القلوبُ
ثم قال:
كأن الموج في الدلتا رجالٌ ... وهذا القصر بينهم خطيب
تخاطبهم مبانيه فيعلو ... من الأمواج تصفيق مهيب
وما انفردت به بيروت حسناً ... ولكن القصور بها ضروب
أعلمني السيد إبراهيم بأن السيد شفيق المؤيد سيلقي محاضرة في هذه الليلة بنادي جمعية "الحرية والائتلاف"، فذهبنا عند وقتها المحدود، يرافقنا السيد محمد صبحي بن الشيخ عبد الرزاق العطار، فتبوأنا مكاناً في الطبقة العليا من النادي، وأخذ الناس ينسلون فرادى وزمراً إلى أن أفعموا الطبقتين، وغصّ بهم المجلس على سعته، فأقبل السيد المحاضر تحف به طائفة يترنمون بأنشودة حماسية من نظم السيد سليم الجزائري إلى أن ارتقى على منصة الخطابة، فتقدم السيد عبد الغني العروسي صاحب جريدة "الائتلاف العثماني"، وألقى خطاباً أعلن فيه بموضوع المحاضرة، وأدبج فيه نبذة في التعريف بشأن المحاضر، ومن جملة ما قصه في حقه: أنه كان أحد مبعوثي الشام، وأنه خرج يوماً من مجلس "المبعوثان" بالآستانة، فبسط إليه أحد الرجال يده ليصافحه، فقبض يده، وقال له:"لا أصافح يداً خانت أمتها".