للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النفاق والملق والمداراة أمام الحكام (١)

للفضائل حدود تنتهي عندها، فإذا تجاوز المرء بفضيلة من الفضائل الحدود التي تنتهي عندها خرج بها عن مدلولها، وأوشك أن ينزلق في مهاوي الرذيلة التي تناقضها.

ومن هذه الفضائل (المداراة). وقد التبست على كثير من الناس، فاطلقوها على ما يصدر عنهم من أقوال أو أعمال هي أدخل في باب (المداهنة) وأشبه بها. والمداهنة ما شاعت في جماعة إلا تقلصت الكرامة من ديارهم، وكانت الاستكانة شعارهم، ومن ضاعت كرامتهم، وداخلت الاستكانة نفوسهم. جالت أيدي الطغاة في حقوقهم، وكان الموت أقرب إليهم من حبال أوردتهم.

إن الناس خلقوا للاجتماع لا للعزلة، والتعاون لا لينفرد كل واحد بنفسه، وللإنسان عوارض نفسية من الرضا والغضب، والحب والبغض، والاستحسان والاستهجان. فلو أنه كاشف الناس بكل ما يعرض له من هذه الشؤون في كل وقت وعلى أي حال، لاختلَّ المجتمع، ولانقبضت الأيدي عن التعاون، فكان من آية الله في خلقه أن هيأ لهم أدب المداراة، ليتحاموا به ما يحدث التقاطع بينهم أو يدعوهم إلى التخاذل.


(١) جريدة (الأهرام) - العدد ٢٤١٨٥ تاريخ ٣١/ ١/ ١٩٥٣.