فالواقع أن الخلافة ليست من نوع العقائد، وإنما حشروها في علم الكلام؛ للعذر الذي أبداه شارح "المقاصد"، وشارح "المواقف".
* بحث في (أعطوا ما لقيصر لقيصر):
قال المؤلف في (ص ١٨): "تكلم عيسى بن مريم - عليه السلام - عن حكومة القياصرة، وأمر بأن يعطى ما لقيصر لقيصر، فما كان هذا اعترافاً من عيسى بأن الحكومة القيصرية من شريعة الله، ولا مما يعترف به دين المسيحية، وما كان لأحد ممن يفهم لغة البشر في تخاطبهم أن يتخذ من كلمة عيسى حجة له على ذلك، وكل ما جرى في أحاديث النبي - عليه الصلاة والسلام - من ذكر الإمامة والخلافة والبيعة إلخ، لا يدل على شيء أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعية عن حكومة قيصر".
يعلم المؤلف أن البحث في حكم إسلامي، ولأحكام الإسلام أصول معروفة لا يدخل في حسابها ما يدور على ألسنة أهل شريعة أخرى؛ إذ لم نحط بمورده خبراً، ولم نملأ كفنا من الثقة بسنده، والقائلون من علماء الإسلام بالاعتماد على شرع مَن قبلنا في تقرير الأحكام يقيدونه بأمرين:
أحدهما: أن يجيء محكياً في القرآن أو السنّة، ورواية "أعطوا ما لقيصر لقيصر" لم تقصها علينا آية ولا حديث.
ثانيهما: ألا يرد في شريعتنا ما يقتضي نسخه. وما عزاه إلى المسيح - عليه السلام - لا ينطبق على ما جاء في الشريعة من حرمة الإقامة تحت راية غير المسلم، والخضوع لسلطانه. قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: ٥١]، وقال تعالى:{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}[التوبة: ٨] , ثم إن محمد بن عبد الله - صلوات الله عليه - لم يعترف