أتينا في المحاضرة الأولى على بداية علم البيان، وسقنا ليلتئذ الشواهد على أن ثروة من هذا الفن قد تجمعت من أقوال البلغاء، ومباحث علماء العربية، فكانت كالأساس تقام عليه علوم البلاغة بحثًا وتأليفًا، وعطفنا في أثناء تلك المحاضرة على نقد ما يدعيه أحد المحاضرين من أن البيان العربي نشأ من ملاحظات علماء الكلام، وأن علماء الكلام تأثروا فيه بما كان يصل إليهم، من الفلسفة والبلاغة اليونانية.
وسبق لنا أن المحاضر انتزع شبهة من قدامة بن جعفر الذي كان عارفاً باللسان اليوناني، ثم أسلم، وألف في البيان العربي كتابيه:"نقد الشعر"، "ونقد النثر"، فادعى أن قدامة أخذ ما كتبه في النقد من بيان اللغة اليونانية، وناقشناه في هذه الدعوى بأن ليس فيما كتب قدامة ما يشعر بأنه مأخوذ من بيان لغة أخرى.
والقصد من محاضرة هذه الليلة: أن ننبه في شيء من التفصيل على أن قدامة قد استمد ما كتبه في النقد من آداب اللغة العربية، وأقوال بلغائها، ونمر
(١) المحاضرة الثانية للإمام في نشاة علم البلاغة ألقاها في نادي جمعية الهداية الإسلامية، ونشرت في الجزأين الثاني والثالث من المجلد الثاني - مجلة "الهداية الإسلامية".