أمكنه أن يأتي بمثل ما أتى به قدامة، وإن لم يكن ملمًا بقواعد البيان في لغة اليونان، ونحن لا نجد قدامة يستأنس في شيء من كتابه بما يعرفه من بيان اليونان، إلا كلمة قالها في فصل استحسن فيه الغلو الذي مثل له يقول أبي نواس:
وأخفتَ أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النطفُ التي لم تخلق
فقال: وهذا مذهب فلاسفة الشعر من اليونان، وهذا الرأي الذي اختاره واستأنس له بمذهب فلاسفة الشعر من اليونان، قد رده عليه أهل الذوق والنظر الصائب في البيان.
ونجده يسلك في بعض مباحثه طريقة العاطفة كما قال في حد الشعر:"إنه موزون مقفّى يدل على معنى". ثم أخذ يشرح كلمات هذا الحد، ويبين ما هو جنس، وما هو فصل، ويسلك طريقة الفلسفة؛ كبحثه في نعت المدح عن أصول الفضائل، وأصناف تركيب بعضها مع بعض، ومثل هذا الوجه من البحث لا يدخل في قوانين البلاغة، ولا يجعل لقوانين البيان اليوناني أثراً في نشأة البيان العربي.
ونقف في هذه المحاضرة عند هذا الحد، وسنأخذ في محاضرتنا الثانية -إن شاء الله- ببسط القول فيما كتب قدامة، وفي حال البيان بعد قدامة، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أُنيب.