للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وفاة عالم جليل (١):

ليلة التاسع والعشرين من ربيع الثاني، استلمت يدُ المنية روحَ العلامة المحقق الأستاذ الشيخ سيدي مصطفى رضوان (٢)، فتفَطَّرت لوفاته الأكباد تأسُّفاً، وتصدَّعت لها الأحشاء حسرة وانفعالاً. والفقيد -تغمده الله برضاه- تضلع من العلوم الدينية، وبراءة فائقة في الفنون الأدبية، وخبرة تامة بالعلوم الرياضية. وله نثرٌ فصيح، ونظمٌ بليغ، وخطٌّ جيد.

وكان -رحمه الله- متجملاً بالسكينة الممزوجة بالتواضع وعلوِّ النفْس، لا تمنعه رفعةُ مكانته في العلم من الانبساط لمحاورة جلسائه، ولا يصدُّه قربُ الصلة عن الوقوف مع الحقوق التي تُناط بعُهدته. أما دروسُه، فكانت مفيدة جداً، يقررها بعبارات عربية حسنة السبك، في صوت لا يَجهر به ولا يُخافت، واسترسالٍ لا تتخلله فتراتٌ إلا وقت المباحثة، وعليها من التوادّة طلاوةٌ تعين الفهم على الثبات والرسوخ، ولا يُعَرِّج فيها على المناقشات اللفظية، أو ينتقل من موضوع إلى آخر بدعوى المناسبة، وإن فعله بعض الكاتبين.

لازمتُ الحضورَ بدرسه "جمع الجوامع" بشرح الجلال المحلي من بدايته إلى نهايته في مدة تناهز ثلاثين شهراً، وما رأيته يفيض الكلام إلا في المباحث المهمة.

خلّف نجلين فاضلين: أحدهما: من نخبة المدرسيّن بالجامع الأعظم، والثاني: من أعيان المتطوعين به.


(١) العدد العاشر - الصادر في ١٦ جمادى الأولى ١٣٢٢ هـ.
(٢) من كبار شيوخ الإِمام محمد الخضر حسين في جامع الزيتونة.