أحمد الله على الهداية، وأسأله التوفيق في البداية والنهاية، وأصلّي وأسلّم على سيدنا محمد المبعوث بأكمل دين وأحكم سياسة، وعلى آله وصحبه وكل من حرس شريعته بالحجّة أو الحسام وأحسنَ الحراسة.
وقع في يدي كتاب "الإِسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، فأخذت أقرؤه قراءة من يتغاضى عن صغائر الهفوات، ويدرأ تزييف الأقوال بالشبهات. وكنت أمر في صحائفه الأولى على كلمات ترمز إلى غير هدى، فأقول: إن في اللغة كناية ومجازاً، ومعميات وألغازاً؛ ولعلها شغفته حباً حتى تخطّى بها المقامات الأدبية إلى المباحث العلمية. وما نشبت أن جعلت المعاني الجامحة عن سواء السبيل تبرح عن خفاء، وتناديها قوانين المنطق، فلا تعبأ بالنداء. وكنت -بالرغم من كثرة بوارحها- أصبِّر نفسي على حسن الظن بمصنفها، وأرجو أن يكون الغرض الذي جاهد في سبيله عشر سنين حكمة بالغة، وإن خانه النظر، فأخطأ مقدماتها الصادقة. وما برحت أنتقل من حقيقة وضّاءة ينكرها، إلى مزية مجاهد خطير يكتمها، حتى أشرفت على خاتمته، وبرزت نتائجه، وهي أشبه بمقدماته من الماء بالماء، أو الغراب بالغراب.
فوّق المؤلف سهامه في هذا الكتاب إلى أغراض شتى، والتوى به البحث