للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غرض إلى آخر، حتى جحد الخلافة، وأنكر حقيقتها، وتخطى هذا الحد إلى الخوض في صلة الحكومة بالإِسلام، وبعد أن ألقى حبالاً وعصياً من التشكيك والمغالطات، زعم أن النبي - عليه السلام - ما كان يدعو إلى دولة سياسية، وأن القضاء وغيره من وظائف الحكم ومراكز الدولة ليست من الدين في شيء، وإنما هي خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها. ومسَّ في غضون البحث أصولاً لو صدق عليها ظنه، لأصبحت النفوس المطمئنة بحكمة الإِسلام وآدابه مزلزلة العقيدة، مضطربة العنان.

كنا نسمع بعض مزاعم هذا الكتاب من طائفة لم يتفقهوا في الدين، ولم يحكموا مذاهب السياسة خبرة، فلا نقيم لها وزناً، ولا نحرك لمناقشتها قلمًا، إذ يكفي في ردها على عقبها صدورها من نفر يرون الحطّ في الأهواء حرية، والركض وراء كل جديد كياسة.

كنا نسمع هذه المزاعم، فلا نزيد أن نعرض عمّن يلغطون بها حتى يخوضوا في حديث غيرها. أما اليوم، وقد سرت عدواها إلى قلم رجل ينتمي للأزهر الشريف، ويتبوأ في المحاكم الشرعية مقعداً، فلا جرم أن نسوقها إلى مشهد الأنظار المستقلة، ونضعها بين يدي الحجّة، وللحجّة قضاء لا يستأخر، وسلطان لا يحابي ولا يستكين.

لا أقصد في هذه الصحف إلى أن أعجم الكتاب جملة، وأغمز كل ما ألاقيه فيه من عوج؛ فإن كثيراً من آرائه تحدثك عن نفسها اليقين، ثم تضع عنقها في يدك، دون أن تعتصم بسند، أو تستتر بشبهة، وإنما أقصد إلى مناقشته في بعض آراء يتبرأ منها الدين الحنيف، وأخرى يتذمر عليه من أجلها التاريخ الصحيح، ومتى أميط اللثام عن وجه الصواب في هذه المباحث الدينية التاريخية،