والاحتفاظ بالكرامة، ولو غلب على ظنها أنها ستُغلب على أمرها؛ تفعل هذا إيثاراً لحياة العزة على حياة المهانة، وتحامياً لخزي ينقل من جيل إلى جيل.
وهاتان الطبيعتان: طبيعة حب الاستئثار بالمنافع، وطبيعة إباء الضيم، هما منشأ أكثر الحروب التي تقوم بين الأمم: الحريص على منافع في يد غيره يهاجم، أو يستعد متحفزاً للهجوم، ومن بيده المنافع ينهض في وجه المهاجم، أو يبادر المتحفز للهجوم عليه قبل أن يستوفي وسائل الهجوم، "تغد بالحجَّاج قبل أن يتعشى بك".
وربما كان قوم على حق وسيرة من الرشد، فيحمل لهم الطغاة الفجّار ضغناً، ويرومون القبض على زمامهم؛ ليصرفوهم عن سيرتهم الرشيدة، ولا يرضى المستقيمون على طريقة الرشد إلا أن يعيشوا أحراراً، فإذا الحرب ناشبة: أولئك يبغون فتنة، وهؤلاء يبغون سلاماً.
وقد تنشب الحرب بين طائفتين يعتقد كل منهما في نفسه أنه المظلوم، وخصمه الظالم، وهذا النوع من الحروب هو الذي يمكن تحاميه من طريق المفاوضات، وقرع الحجّة بالحجَّة، ويغني فيه القلم عن النار والحديد.
* الاستعداد للحرب:
إذا كانت طبيعة حب الاستئثار بالمنافع غالبة على النفوس، وإذا كان أصحاب الأهواء يحرصون على إطفاء نور الحق، وإذا كان في إقناع أحد الخصمين بأن الحق في جانب غيره صعوبة، فمن الحزم أن تكون الأمة على استعداد كاف لدفاع من يريد الاعتداء على حق من حقوقها، بسوء قصد، أو بسوء فهم.