ابن القيم في "زاد المعاد" على وجه آخر: هو أنه - عليه الصلاة والسلام - سار حتى نزل عشاء أدنى مياه بدر، فقال:"أشيروا علي في المنزل"، فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله! أنا عالم بها وبقُلُبها، إن رأيت أن نسير إلى قُلُب قد عرفناها، فهي كثيرة الماء عذبة، فننزل عليها، ونسبق القوم إليها، ونغوِّر ما سواها من المياه.
وروى ابن سعد: أن الوحي نزل على وفق ما أشار به الحباب.
فلنصرف النظر عن البحث في سند هذه القصة التي قال ابن إسحاق في سندها: فحدثت عن رجال من بني سلمة: أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر ابن الجموح قال: يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل منزلًا أنزلكه الله ... إلخ الرواية" ولنصرف النظر عن الوجه الذي أوردها عليه ابن القيم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أشيروا علي في المنزل"، ولنصرف النظر عن رواية ابن سعد من أن نزول النبي - عليه الصلاة والسلام - بأدنى منازل القوم كان اتباعًا للوحي، ولنأخذ بالوجه الذي أوردها عليه ابن إسحاق من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نزل بأدنى مياه بدر أشار عليه الحباب بأن النزول بأدنى منازل القوم هو الذي تقتضيه سياسة الحرب، ولكنا نقول: ليس في هذا الوجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل على اجتهاد غيره في تقرير حكم شرعي، وإنما هو أمر اختيار منازل الجيش، وقد أريناك قبل أن هذا من أمور الحرب التي ترجع إلى رئيس الجيش، ومن يشق بآرائهم من أعوانه في الحرب.
* نزول الوحي بخلاف اجتهاده:
قال كاتب المقال: "وكان يجتهد، ثم ينزل الوحي بخلاف اجتهاده، وقد يسكت عنه، فلا يعرض له بتصويب ولا تخطئه".