ولا يجوز لأحد أن يتعرض لذلك المحارب بأذى، وإلى هذا يشير قوله - صلوات الله عليه -: "ويسعى بذمتهم أدناهم". وقد أمضى النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمين أم هانئ بنت أبي طالب لرجل من المشركين، وقال لها:"قد أجرنا من أمنت يا أم هانئ".
وحدث في عهد عمر بن الخطاب: أن عبداً أمن أهل بلد بالعراق، فكتب قائد الجيش وهو أبو عبيدة إلى عمر يأخذ رأيه في هذا التأمين، فكتب إليه عمر:"إن الله عَظَّم الوفاء، فلا تكونون أوفياء حتى تفوا، فوفوا لهم، وانصرفوا عنهم".
ومن المعقول أن يكون لقائد الجيش رأي في تأمين غيره لأهل بلد تأميناً يقتضي الانصراف عنهم، فإذا رأى أن مثل هذا التأمين قد يأتي بضرر، فله أن يبطله، ويجري على ما يتراءى له من المصلحة، وذهب بعض الفقهاء، وهو عبد الملك بن الماجشون إلى أن تأمين أحد الجنود لبعض المحاربين ينظر فيه القائد الأعلى، فإن لم ير في إمضائه ضرراً، أمضاه، وإلا، ردَّه.
* مجاملة رسل العدو وعدم التعرض لهم بأذى:
رسول العدو قد يأتي في شأن الصلح أو غيره مما فيه تخفيف شر الحرب، فمن حسن الرأي أن لا يتعرض للرسل بأذى، وأن يكونوا في أمن حتى يعودوا إلى قومهم؛ فإن التعرض لهم بأذى يقطع صلة الرسالة بين الفريقين، ويسد طريق المفاوضات التي يتوسل بها إلى عدم الدخول في الحرب، أو إنهائها إذا كانت ناشبة، ومكارم الأخلاق تأبى أن يتعرض للرسول بأذى، ولو أرسله قومه لإبلاغ ما عزموا عليه من محاربتنا، أو صدر منه كلام في تعظيم أمر قومه بقصد الفخر أو الإرهاب، وقد جرى نظام الإِسلام في الحرب على هذا الأدب المقبول: قدم أبو رافع بكتاب من قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما