للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متى تكون الصّراحة فضيلة (١)

وهبَ الله للإنسان لساناً يعبر به عما يجول في نفسه من آراء، أو يشعر به من نحو الحب والبغض، والسرور والحزن، واللذة والألم، وإذا كانت الآراء أو العواطف ونحوها قد تحدث في النفس غير اختيار، فإن اللسان موكول إلى صاحبه يتصرف فيه حسب اختياره، فله أن لا يبين ما في نفسه إلا حيث يدعوه إلى ذلك البيان ابتغاء خير، أو دفع ضرر، ومن هنا ترى الناس يلومون الإنسان على بعض ما يلفظ من قول، فيلام على القول من جهة مخالفته للواقع، وهو الكذب، أو من جهة مخالفته لما لا يعتقد، وهو النفاق، أو من جهة أنه يجلب ضرراً؛ كالغيبة والنميمة، أو من جهة أنه لا يأتي بفائدة، وهو اللغو، كما يلام الإنسان على تركه القول في حال يكون القول فيه نافعًا أو واجباً؛ كإظهار المودة لذوي النفوس الكريمة، والشفاعة لذوي الحاجات، والحكم بين الناس بالحق، وأداء الشهادة الصادقة، وتنبيه الغافلين لما فيه خير، أو تحذيرهم مما هو شر.

والناس يقولون: فلان صريح، على معنى: أنه يجهر بما في نفسه من نحو الآراء والعواطف، لا يكتمها، ولا يدل عليها بتعريض أو كنايات خفية، وقد يصف الإنسان بها نفسه على وجه الفخر، أو يصف بها غيره على وجه


(١) مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الثاني عشر من المجلد الثاني عشر، الصادر في جمادى الثانية ١٣٥٩ هـ.