المدح؛ لأنه يراها وليدة الشجاعة، أو يراها وليدة الإخلاص والسلامة من علة الحب والمداهنة.
والحقيقة: أن الصراحة التي تعد من خصال الحمد، واقعة بين طرفين مذمومين، فطرف التفريط فيها يرجع إلى علة الجبن، أو الطمع، أو الجهل بما تأتي به الصراحة من خير كثير. وطرف الإفراط فيها يرجع إلى علة العجلة، وقلة التروي فيما تثير بعض الأقوال الصريحة من عداوات خاصة، أو فتن عامة.
والطريق المعتدل للصراحة، وهو الذي يعد فضيلة: أن يجهر الإنسان بما له من آراء أو عواطف؛ حيث يكون في الجهر مصلحة، ولا يتوصل إليها بطريق التعريض، أو الكنايات الخفية.
ويمثل التفريط في الصراحة: أولئك الذين يرون أمتهم، أو طائفة منهم منحدرين في غواية، أو عمل منكر، ويمتنعون من دعوتهم إلى سبيل الرشد والعمل الصالح؛ خشية أن تحرمه الدعوة منفعة دنيوية، أو تجر إليه مكروهاً، ولو لم يكن شيئاً يذكر بالنسبة إلى المكروه الذي انحدرت فيه الأمة، وكان في ميسوره أن ينقذها بدعوة صريحة.
ولا يدخل في هذا التفريط المذموم من أبى أن يقول غير الحق، وسلك في التعبير عن الحق طريقاً غير صريح، ولكنه يغني غناء الصريح في جلب الخير، أو دفع الأذى، ونسوق إليك مثلاً لهذا: قصة تيمورلنك إذ جمع علماء حلب، وقال لهم متعنتًا: قُتِل منّا ومنكم جماعة، فمن الذي في الجنة: قتلانا، أم قتلاكم؟ وأراد بهذا السؤال إيقاعهم في حرج حتى يتوصل إلى أذيتهم، فقال له أحد العلماء، وهو ابن الشحنة فيما يظن: قد أجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا السؤال حين سئل عنه، فغضب تيمورلنك، وقال له: كيف ذاك؟ فقال: روينا