العائدة إلى شؤون الدولة، إلا ما كان منوطاً بعلّة، فزالت، وخلفتها فيه علة أخرى، على ما سنبينه في غير هذا المقام بياناً شافياً.
فاستخفاف المؤلف بذهاب الباحث إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن رسولاً ملكاً، وقوله: إن ذلك ليس بدعاً في الدين، ولا شذوذاً عن مذاهب المسلمين، ما هو إلا افتيات على الإسلام، ومن ذهب إلى أن الرسول لم يكن مدبراً لشؤون السياسة، فقد نبذ كتاب الله وراء ظهره، وشاقق الرسول، واتبع غير سبيل المؤمنين.
* بحث في (أعطوا ما لقيصر لقيصر):
ذكر المؤلف أن الرسالة غير الملك.
ثم قال في (ص ٤٩): "ولقد كان عيسى بن مريم - عليه السلام - رسول الدعوة المسيحية، وزعيم المسيحيين، وكان مع هذا يدعو إلى الإذعان لقيصر، ويؤمن بسلطانه، وهو الذي أرسل بين أتباعه تلك الكلمة البالغة: "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" وكان يوسف بن يعقوب - عليه السلام - عاملاً من العمال في دولة الريان بن الوليد، فرعونِ موسى، ومن بعده كان عاملاً لقابوس ابن مصعب".
أتى المؤلف بهذه المقدمة ليضع في ذهن القارئ تمثيل رسول الإسلام بعيسى ويوسف - عليهما السلام - في أن كلاً منهم لم يكن صاحب دولة، ولا رئيساً أعلى في السياسة. والذي يبطل هذا التمثيل: أن رسول الإسلام لم يدعُ إلى الإذعان لقيصر، ولا كان عاملاً للمقوقس (١) صاحب مصر، بل
(١) أطلق العرب اسم المقوقس على حاكم مصر البيزنطي لما فتح عمرو بن العاص - رضي الله عنه - مصر.