هذه النبوة الساطعة، والهداية المحفوفة بالآيات من كل ناحية، هي التي خطر على بال المؤلف أن يزلزل أركانها بحكاية أسطورة يونانية!
يجعلون لروما تاريخاً خرافياً، وتاريخياً حقيقياً، والحقيقي يبتدئ من سنة ٧٥٣ قبل المسيح، وقصة (إينياس) داخلة في دور التاريخ الخرافي، وقال ناقدوها: إنها صادرة من أرباب الخر افات والخزعبلات. وقصة إسماعيل لا يسهل على المؤلف أن يجعلها من هذا القبيل، إلا إذا آنس في نفسه قوة على نقض الأساس الذي قامت عليه، وهي رسالة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يستطيع أن يسل من هذا الأساس لبنة ما دام قلمه لا يمشي إلا وقع في كبوة، ولا يطعن إلا رجع بنبوة.
قال المؤلف في (ص ٢٩): "أمر هذه القصة إذن واضح. فهي حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام، واستغلها الإسلام لسبب ديني، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضاً. وإذن، فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل بها عند ما يريد أن يتعرف أصل اللغة العربية الفصحى".
أمر الطعن في هذه القصة إذن واضح، فهو حديث العهد ظهر قبيل كتاب "في الشعر الجاهلي"، واستغله كتاب "في الشعر الجاهلي" لسبب اقتصادي وديني غير إسلامي، ولم تقبله الثقافة الشرقية لسبب ديني وسياسي أيضاً، وإذن، فيستطيع التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل به عند ما يريد أن يتعرف أصل اللغة العربية الفصحى.