جملتهم امرؤ القيس ليس منهم في شيء، ثم تمضي في الكتاب إلى أن يدخل بك في الحديث عن امرئ القيس، فإذا هو يقول:"إن أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى امرئ القيس ليس من امرئ القيس في شيء"، فلا تدري: أهو ينكر شعر امرئ القيس برمته؛ كما هو الظاهر من قوله هنا: إن ما تقرؤه على أنه شعر لامرئ القيس ليس منه في شيء، أو هو ينكر أكثره فقط على ما يصرح به قوله فيما بعد:"إن أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى امرئ القيس ليس منه في شيء"؟ وستقف فيما تقرؤه من فصل:(الشعر الجاهلي واللغة) على ما يحكم بأن المؤلف ابتلي بالتناقض في شعر امرئ القيس، حكماً مسمَّطاً.
* جواب على سؤال:
قال المؤلف في (ص ٨): "وستسألني: كيف انتهى بي البحث إلى هذه النظرية الخطرة؟ ولست أكره أن أجيبك على هذا السؤالي، بل أنا لا أكتب ما أكتب إلا لأجيبك عليه، ولأجل أن أجيبك عليه إجابة مقنعة يجب أن أتحدث إليك في طائفة مختلفة من المسائل".
صور المؤلف شخصاً ماثلاً بين يديه، وأنطقه بسؤال لا يخطر إلا على بال النائم عن الحركة الأدبية، ونشأة نظرية الشك في الشعر الجاهلي نوماً عميقاً، ثم جعل إجابته المقنعة في أن يتحدث إليه في طائفة مختلفة من المسائل. وقد تحدث بعد تلك الفقرة عن هذه الطائفة المختلفة من المسائل في نحو صحيفة، وهي ملخص المباحث المعقود عليها كتابه، وقد فاته أن يذكر أعظم وسيلة ابتغاها إلى هذه النظرية الخطرة، وهي إلمامه بمقالتي (مرغليوث) وما دار بينه وبين خصومه من المناقشة.