شاعت دعوة الإصلاح، وذاعت بين المفكرين بتونس، منذ ارتبطت النخبة الثقافية الناهضة في سيرتها نحو المثل العليا لحركاتها، بالحركة الإسلامية العالمية للإصلاح الديني والفكري: حركة العروة الوثقى.
وكان انتشار هذه الدعوة الإصلاحية من طريق التنويه، والانتماء المتغالي، والدعاية المتعصبة؛ فكان من الضروري أن يُحدث انتشارُ الدعوة من تلك الطرق ردّاً إنكارياً، ومقاومة خانقة، وإعراضاً نافراً، لا سيما وقد جاءت الدعوة الإصلاحية تتناول أوضاعاً مما حسنه الإلف، وخلع عليه قدمُ العهد حُللَ الوقار والاعتبار.
وإن الدعوة الإصلاحية قد دخلت إلى البلاد التونسية من أول أمرها تجرّ وراءها عاصفة من الإنكار والمقاومة، كانت قد قامت حولها في المشرق، فيما جندت القوات العديدة المتباينة بإستانبول والقاهرة وغيرهما من مدمرات لمعاقل الدعوة، وسدودٍ في مسالكها، فأحدث بلوغُ الدعوة الإصلاحية إلى تونس اضطراباً في الأفكار، ولّد انقساماً، وتناحراً، وتنابزاً بالجهل وبالكفر، واعترت الألبابَ دهشةٌ من جرّاء ذلك الاضطراب، أخذ بها الطلبة والمتتبعون
(١) كتاب "أركان النهضة الأدبية بتونس" للعلامة البحر محمد الفاضل بن عاشور.