وهذا ابن سلام الجمحي يقول في كتاب "الشعر والشعراء": شعراء المدينة الفحول خمسة، وأشعرهم حسان، وقد حُمل عليه مالم يحمل على غيره، لما تباغضت قريش واستبت، وضعوا عليه أشعاراً كثيرة لا تليق به.
وأريد من هذا: أن ما ينسب إلى حسان من الشعر، ننظر فيه من جهة ما يعبر عنه من المعاني، فإن وجدناه يلائم روح عهد النبوة، وما عرف به الصحابة من نزاهة وفضل، قبلناه ورويناه على أنه شعر حسان، وإن وجدناه ينافي روح ذلك العهد، أنكرناه، ولا سيما شعراً لم يرد منسوباً إلى حسان بسند متصل صحيح.
* النسيب في شعر حسان:
يذهب حسان في النسيب مذهب الشعراء من قبله، فيذكر الشوق والسهر وطول الليل، ويكثر من ذكر الديار وأطلالها، والرحيل وما يحدثه من روعات وحسرات، ويسوق نسيبه في نزاهة معنى، وجزالة نظم، ومثل هذا قوله:
تطاولَ بالخمان ليلي فلم تكن ... تهم هوادي نجمه أن تصوبا
أبيت أراعيها كأني موكَّل .. بها لا أريد النوم حتى تغيبا
إذا غار منها كوكبٌ بعد كوكبٍ ... تراقبُ عيني آخرَ الليلِ كوكبا
غوائر تترى من نجوم تخالها ... مع الصبح تتلوها زواحف لُغَّبا
أخاف مفاجاةَ الفراق ببغتة ... وصرف النوى من أن تشب وتشعبا
وأيقنت لما قوَّض الحيُّ خيمَهم ... بروعاتِ بَيْنٍ تترك الرأس أشيبا
يصدر حسان المدح أو الفخر بالنسيب، بل قد يصدر المهاجاة بذكر البين والرحيل والبكاء، وكثيراً ما يخرج من النسيب إلى غيره من الفنون بقوله: