للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مكانة القضاء (١)

القضاء من الوظائف الشرعية الداخلة في مهمات الخلافة، ويكفيه شرفاً أن الرسل والأنبياء - عليهم السلام - كانوا يتولونه بأنفسهم، ونبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لفضله، وسمو مكانته بقوله: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلِّمها".

والمراد من الحسد: الغبطة، وهي محمودة في كل خصلة من خصال الخير؛ للتنبيه على بلوغ مكانة القضاء، والإنفاقُ في الخير أقصى غاية من السمو في نظر الشارع الحكيم، ومن أساليب البلاغة: استعمال أداة الحصر للدلالة على أهمية الشيء، وإحرازه المرتبة العليا في المعنى الذي قد يشاركه فيه غيره، فيرجع معنى الحديث إلى معنى: أنه لا غبطة كاملة إلا الغبطة في هاتين الخصلتين.

ومن سمو مكانة القضاء: أن القاضي يستدعي أكبر شخص في الأمة -كالخليفة- إلى مجلس حكمه، ويقضي عليه متى كان الحق في جانب خصمه، وكذلك كان يفعل قضاة العدل في الإسلام؛ كأبي يوسف: حكم ليهودي في قضية رفعها على الخليفة هارون الرشيد، وكابن بشير قاضي قرطبة: حكم لتاجر خامل على الخليفة عبد الرحمن الناصر، وقال له: إن لم تنفذ ما حكمت


(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثالث والرابع من المجلد العشرين.