الحكمة: معرفة الحقائق على ما هي عليه، وقد يراد بها الكلام النافع الذي يمنع من الجهل والسفه، وهي بهذا المعنى فن من فنون الكلام المنظوم أو المنثور، وذلك ما نريد الحديث عنه في هذا المقال.
وهذا النوع من الحكمة ثمرة التجارب والتفكير على الوجه الصحيح، فنصيب الأمة من الحكمة على قدر نصيبها من جودة التفكير، والشعور بما تشترك فيه الحوادث من الأسباب والآثار.
ومن الذي ينكر ما للأمة العربية من صفاء الذهن، وتوقد الذكاء؟ فلا بد أن يكون حظها من الحكمة عظيماً.
نطق العرب في جاهليتهم بحكم تدل على تجارب صادقة، وألمعية مهذبة، وأسوق لك مثلاً على هذا قول النابغة الذيباني:
ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلُمُّه ... على شَعَث أيُّ الرجال المهذّبُ؟
فهذه الحكمة لا تصدر إلا من ألمعيّ خالط طبقات الناس زمناً طويلاً، ونقدهم طبقة بعد طبقة، فاستخلص من طول صحبتهم أنه لا يوجد من بينهم
(١) مجلة "نور الإسلام" - العدد السادس من المجلد الرابع الصادر في جمادى الثانية سنة ١٣٥٢ هـ - القاهرة.