بسط هذا الشيخ في اللائمة على أصحاب الأفكار الواقفة ممن ينتسب إلى علماء الإسلام، فقلت: لا أنكر أن يكون فيمن ينتمي إلى العلم طائفة لم تسرح أنظارها في مجال متسع، فقد تكلم بعضهم بحرمة أشياء لم يرد عن الشارع في مثلها كراهية، والقواعد التي أقرها الأئمة المجتهدون تقتضي الأخذ بمصالحها، والعمل على شاكلتها، ولكني لا أتطرق فأدخل في حزبهم المعتدلين مثلما يفعل المتطرفون، وكثيراً ما تصدر المقالات المتغالية عن عدم استكشاف الفقيه لحال ما أفتى به، ومن أمثلة هذا: أني سمعت بعض العلماء الوافدين على الحاضرة يقول: المخابرة في التلغراف غير جائزة؛ ظناً منه أنه من قبيل السحر أو التكهن، حتى أخبره أحد الحاضرين: بأنه مقام على قواعد وعلم يدرس، وأن أعماله ظاهرة يباشرها كل أحد أدرك صناعته، فرجع وقال: فهو حينئذ حسن، فهذا الفقيه لم يكن واقف الفكر، ولكن فاته الاطلاع على حقيقة تلك الآلة قبل أن يتكلم في حكمها.
وذكرت بهذا المقام ثلاثة أبيات للشيخ عبد الرحمن بن سلام العالم البيروتي، أنشدنيها حين زار منزلنا بدمشق، وقد ضلّ من ذاكرتي الآن بعض ألفاظها، ومعناها: أن الأفكار القابلة للتصرف والنماء إنما تقذف بنتائجها، وتلمع ببروق أفعالها، إذا نقر عليها الجامدون، وقدحوها بزناد ما يصنعون، كما أن نغمات الوتر لا تنتشر إلا إذا جسها العود الجامد بضرباته، والبيت الثالث منها:
فالجمع بينهما لابد منه إذاً ... فالعود لولاه لم تطرب بصوت وتر