تحتاج إلى أمارة أوضح دلالة من كلمة قالها ابن إسحاق؛ ليبعد عن نفسه تبعة اصطناع الشعر.
فالمؤلف يتخيل أشياء، ويطمئن لها، ويشغلك بالحديث عنها, ولا عجيب أن يطمئن لما يتخيل، فقد حكى أبو عثمان الجاحظ: أنه رأى حجّاماً بالكوفة يحجم بنسيئة إلى الرجعة؛ لشدة إيمانه بها.
وإذا كان المؤلف يستخرج من كلمة ابن إسحاق أن هناك شركة قصصية، ويتحدث عنها بما سمعتم، فماذا يكون حالنا حين نرى هذه الكتب التي تؤلف، والمقالات التي تنشر، والمحاضرات التي تلقى، والمجالس التي تعقد، وكلها تنطق بلسان المتهالك في الحقد على الإِسلام؟! "أفليس من الحق لنا أن نتصور أن هؤلاء" الملحدين المائقين "لم يكونوا يتحدثون إلى الناس فحسب، وإنما كان كل واحد منهم يشرف على طائفة غير قليلة من الرواة والملفقين، والنظام والمنسقين، حتى إذا استقام لهم مقدار من تلفيق أولئك، وتنسيق هؤلاء، طبعوه بطابعهم، ونفخوا فيه من روحهم، وأذاعوه بين الناس"؟!.
* الشعر في "سيرة ابن هشام":
قال المؤلف في (ص ٩٦): "وأنت تدهش إذا رأيت هذه الكثرة الشعرية التي تنبثّ فيما بقي لنا من آثار القصّاص. فلديك في "سيرة ابن هشام" وحدها دواوين من الشعر".
للمؤلف أن يسمّي ما احتوته سيرة ابن هشام من الشعر: دواوين، ولنا أن نسميها: نصف ديوان؛ فإن كل ما في السيرة من شعر لا يتجاوز نصف ديوان ابن الرومي، أو نصف ديوان مهيار.