للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم أر فيها مثل بغداد منزلاً ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا

ولا مثل أهليها أرقّ شمائلاً ... وأعذب ألفاظاً وأحلى معانيا

وكم قائل لو كان حبك صادقاً ... لبغداد لم ترحل فكان جوابيا

يقيم الرجال الموسرون بأرضهم ... وترمي النوى بالمقترين المراميا

ومما يظفر به الرجل الفاضل في رحلته: أن يتخذ في البلاد التي ينزل بها أصدقاء يغتبط بصداقتهم، والصداقة الخالصة من ألذّ ما يمتع به الإنسان في هذه الحياة، وكتب الأدب مملوءة بالرسائل والقصائد التي دارت بين علماء وأدباء اختلفت مواطنهم، وهي عامرة بروابط ناشئة بوسيلة الرحلة.

وهذا ابن خلدون ارتبط بصداقات كثيرة من علماء البلاد؛ كلسان الدين ابن الخطيب، وابن زمرك، وجرت بينه وبينهم مراسلات، وأذكر من قصيدة بعث إليه بها ابن زمرك بعد نزوله مصر قوله:

بعيشك خبرني ولا زلت مفضلاً ... أعندك من شوق كمثل الذي عندي

ومثل الحافظ ابن عساكر رحل إلى بلاد العجم بعد بلاد العرب، وأذكر من قصيدة بعث بها إلى صديقه أبي سعد السمعاني قوله:

أنسيت ثدي مودة ... بيني وبينك وارتضاعه

* ماذا يستفيد قوم الرجل من رحلته؟

قد تحظى البلاد بالعلم بعد انقطاعه عنها، أو تقوم سوقها فيها بعد خمولها، والفضل في ذلك لرجال يرحلون إلى الحواضر التي هي منبع العلوم، ثم يعودون وقد امتلؤوا مما اغترفوه من العلوم والفنون.

وقد بلغت الحالة العلمية بالأندلس بعد عودة أبي الوليد الباجي من