قد بلغ في العلم مرتبة كبيرة، وقال له بعض من لقيه: يا أستاذ! الاسم لأبي حامد الغزالي، والعلم لك، فقال القاضي: ذاك رفعته بغداد، وأنا حطتني الدينور.
وقد تكون رحلة العالم أو الأديب من أسباب ظهور علمه أو أدبه، وانتشاره في الآفاق.
قال الأديب أَبو بكر المعروف بابن بقي:
ولي همم ستقذف بي بلاداً ... نأت إما العراق أو الشآما
لكيما تحمل الركبان شعري ... بوادي الطلح أو وادي الخزامى
وكيما تعلم الفصحاء أني ... خطيب علّم السجع الحماما
وقد أطلعتهن بكل أرض ... بدوراً لايفارقن التماما
وربما أدرك الرجل في وطنه ضيق عيش يخشى أن يعوقه عن الازدياد من العلم، أو التفرغ لنشره بالتدريس والمذاكرة، فيرحل حيث يلقى كفافاً أو يساراً يساعده على أن يقبل على الدرس والبحث بنفس مطمئنة.
رحل القاضي عبد الوهاب بن نصر من بغداد إلى مصر، ونبه على سبب رحلته فقال:
سلامٌ على بغداد في كل موطنٍ ... وحوّلها مني السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها على قلى لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكذلك قال أَبو سعد النبرماني:
فقد سرت في شرق البلاد وغربها ... وطوّفت خيلي بينها ورِكابِيا