* نظر علماء الأندلس في أحوال الأمة، وغيرتهم على مصالحها:
نرى في علماء الأندلس من لا يقصرون أنظارهم على الوجهة العلمية البحتة، بل يمرون بها في كثير من الأوقات على أحوال الجماعة؛ ليعرفوا ما يطرأ عليها من خلل، وما تحتاج إليه من إصلاح.
ينبئنا التاريخ: أن كبار العلم في القرى المجاورة لقرطبة يأتون يوم الجمعة للصلاة مع الخليفة في قرطبة، ويطالعونه بأحوال بلدهم.
وينبئنا التاريخ: بأن في علماء الأندلس طائفة لا يغضون أبصارهم عما يصنع ولاة الأمور، ثم لا يكتمون النصيحة إذا أبصروا عوجاً في السياسة، أو حيفاً في الحكومة، أو تبذيراً في الإنفاق.
عاد أبو الوليد الباجي من الشرق، فوجد ملوك الطوائف بالأندلس أحزاباً متفرقة، فأدرك سوء عاقبة هذا التفرق، ودفعته الغيرة أن قام يسعى بينهم بالصلح، ولكنه نفخ في عظام ناخرة، فكان كلما وفد على ملك منهم، لقيه بالتقريب والترحيب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستقل طلعته. فلم يبلغ أن يعقد بين أولئك الأحزاب وفاقاً.
ومواقف منذر بن سعيد البلوطي في وجه عبد الرحمن الناصر منكِراً عليه الإسرافَ في تشييد المباني، والغلو في زخرفتها، مبسوطة في كتب التاريخ، دائرة على ألسنة الأدباء.
والعلماء الذين ينفقون شيئاً من أوقاتهم في البحث عن أحوال الاجتماع، ومقتضيات السياسة، يتوقفون أكثر من غيرهم على أن يصوغوا فتاويهم على قدر المصالح المعتد بها في نظر الشريعة.