النحاة يبحثون عن الأساليب التي لا يقال للناطق بها: قد جئت بما لا تتكلم به العرب، فإذا أجازوا في بعض التراكيب وجهين، أو وجوهاً من الإعراب، فمعنى ذلك: أن هذين الوجهين، أو تلك الوجوه قد تكلم بها العرب عند تأدية المعنى الأصلي لذلك التركيب، يقولون هذا، ولا ينفون أن يكون لكل وجه من الوجهين أو الوجوه أثر في تصوير المعنى الأصلي يغاير الآثار التي قد يحدثها غيره من الوجوه، فهم إذا اختلفوا في وجه من وجوه الإعراب يجيزه طائفة، ويمنعه آخرون، فإن اختلافهم يرجع إلى أن هذا الوجه قد نطق به العرب في مثل هذا التركيب، أو لم ينطقوا، وبعد أن يقوم الشاهد على جواز وجهين أو وجوه في التركيب، قد ينبهون إلى ما يفترق به الوجهان أو الوجوه من الأثر في رسم المعنى الأصلي وتصويره، وإن صح أنهم لم ينتهوا في جدلهم إلى كلمة فاصلة، فلأن المجيز لبعض الوجوه لم يقم الشاهد المقنع لخصمه من كلام فصيح، أو قياس صحيح.
* وجهات البحث النحوي:
ذكر المؤلف شدة عناية العرب بالإعراب، وساق على ذلك شواهد، وتخلص منها إلى وصف النحاة بأنهم أطالوا مراقبة أواخر الكلمات، وأنهم قد يختلفون فيها، ويتجادلون عندها، ثم قال: "وطول هذه المراقبة، ودأبهم عليها هداهم إلى كشف سر من أسرار العربية عظيم، وهو أن هذه الحركات ترجع إلى علل وأسباب يطرد حكمها في الكلام، ويمكن الرجوع إليها، والاحتجاج بها، وقد أعجبوا بهذا الكشف إعجاباً عظيماً، فألحوا في الدرس، وفي تتبع الأواخر، والكشف عن أسرار تبديلها، وسموا ما كشفوا أول الأمر: