كفة تينك الأمتين، أو ترجح عنها بقليل، لصاغ البحث في غير هذه الصورة، ونحا بالعبارة نحو الغض من العرب، وإنزالهم إلى الدرجة السفلى.
يقول المؤلف: إن المؤثرات في حياة الأمم واحدة أو متقاربة، وتجده حين يتحدث عن النتائج يبتدئها بتجاوز الحدود الطبيعية وبسط السلطان على الأرض، ثم يصله بالتراث الذي تتركه الأمة، وهو بالنسبة لليونان فلسفة، وللرومان تشريع ونظام، وللعرب أدب وعلم ودين. فالدين في زعمه كالفلسفة اليونانية والتشريع الروماني يصح أن يعد في نتائج تلك المؤثرات المتحدة أو المتقاربة، ويصح أن يسمّى تراثاً تركه العرب كما تركوا علماً وأدباً.
ليس الدين من نتائج التحضّر بعد بداوة، أو صروف السياسات المختلفة، أو التكوين السياسي الدافع إلى فتح البلاد، وإنما هو هداية سماوية أطلت شمسها على أفق عربي، ثم ألقت أشعتها هكذا وهكذا، وما كانت الصلة بين العرب وهذا الدين إلا صلة الإيمان والجهاد في سبيله، وقد انعقدت هذه الصلة بينه وبين أمم أخرى ليست بالعدنانية، ولا القحطانية، وإنما هي العقول الراجحة تبصر الحقائق محمولة على سواعد الحجج، فلا تقعد حتى تعتنقها.
* تكرار الشكوى من أنصار القديم:
قال المؤلف في (ص ٤٤): "ولسنا نريد أن نترك الموضوع الذي نحن بإزائه للبحث عما يمكن أن يكون من اتفاق أو افتراق بين العرب واليونان والرومان، فنحن لم نكتب لهذا، وإنما نريد أن نقول: إن هذه الظاهرة الأدبية التي نحاول أن ندرسها في هذا الكتاب، والتي يجزع لها أنصار القديم جزعًا شديداً، ليست مقصورة على الأمة العربية".