وقال جرجي زيدان: "إن العرب أصبحوا بعد الإسلام غير ما كانوا عليه قبله، كانوا قبائل مشتتة مبعثرة، فأصبحوا أمة واحدة بقلب رجل واحد". وذكر أسباباً أخرى من جملتها: اعتقادهم بالقضاء والقدر، وعدل المسلمين ورفقهم وزهدهم، ثم قال: "وكان لتلك المناقب تأثير عظيم، ومن هذا القبيل التسوية بين طبقات الناس رفيعهم ووضيعهم"، وعطف على هذا استبقاء الناس على أحوالهم، وقال: "كان العرب إذا فتحوا بلدًا، أقروا أهله على ما كانوا عليه من قبل، لا يتعرضون لهم في شيء من دينهم أو معاملاتهم، أو أحكامهم المدنية أو القضائية، أو سائر أحوالهم".
فالواقع ينفي أن تكون المؤثرات في حياة الأمم الثلاث واحدة أو متقارية. وليس التحضر بعد البداوة، وصروف السياسات المختلفة، والتكوين السياسي الدافع إلى فتح البلاد إلا أطوارًا عامة، ولا بد من البحث في سبب التحضر بعد البداوة، وفي أساليب تلك السياسات المختلفة، وفي كنه هذا التكوين السياسي؛ فإن الأمم إذا اختلفت في سبب تحضرها، أو في صروف سياستها، أو في شخصية تكوينها السياسي، لا تكون نتائج حياتها واحدة أو متقاربة.
ولعل القارئ يفهم رجحان حياة العرب على حياة اليونان والرومان من تسوية المؤلف بينهما في المؤثرات والنتائج؛ فإن ما يحمله للأمة العربية المسلمة، يدعوه إلى أن يغير تاريخها، ولو في أذهان طلابه في الجامعة، فإذا جعل نتائج حياة العرب مماثلة لنتائج حياة اليونان والرومان، فذلك الشاهد على أن فضل حياة العرب واضح، وأنه لو وجد كفة العرب تساوي