نهضة أدبية راقية، ظهرت بتونس في القرن الخامس للهجرة، نهضة أشرقت سماؤها بنجوم زاهرة، وقذفت بحارها بدرر فاخرة، ولهذه النهضة مهيئات ساعدت على نشأتها، وسمو غايتها، وبهجة أثرها.
من مهيئاتها: أن للأدب في القرن الرابع وأوائل القرن الخامس سوقاً قائمة في الشرق؛ أعني: العراق والشام ومصر، وسوقاً قائمة بالغرب؛ كبلاد الأندلس.
وموقع البلاد التونسية بين هاتين النهضتين، بحيث يعبر عليها أدب الشرق إلى الغرب، وأدب الغرب إلى الشرق، فلا جرم أن تهز تونس نشوة البلاغة حتى تسابق في حلبة البيان بخطا واسعة المدى.
ومن مهيئات تلك النهضة الأدبية: أن القيروان التي هي مبعث نورها، كانت دار العلوم بالمغرب، يرحل إليها طلاب العلم، ويغترفون من بحار معارفها الزاخرة، ومن بين علومها الزاهرة: علوم اللغة العربية وآدابها.
ولا أطيل الحديث عن ازدهار هذه العلوم بالقيروان، فقد ألف في أخبار القيروان وتراجم علمائها وأدبائها كتب كثيرة، وأكتفي بأن أقول:
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول من المجلد التاسع الصادر في رجب ١٣٥٥.