إن من علمائها الذين عاشوا في أواخر القرن الرابع، أو أدركوا بضع سنين من القرن الخامس رجالاً يشار إليهم بالبنان؛ مثل: محمد بن جعفر القزاز صاحب المؤلفات في اللغة والأدب ونقد الشعر، وهو صاحب كتاب "ضرائر الشعر"؛ أي: الضرورات التي يجوز للشاعر ارتكابها دون غيره، ومثل: عبد العزيز بن أبي سهل الخشني؛ فقد كان من الراسخين في اللغة والنحو، وكان الشعراء الحذاق يجلسون بين يديه، ويعرضون عليه أشعارهم لنقدها.
وانتشار علوم اللغة وآدابها في وطن، مما يبعث قرائح أبنائه على صناعة الشعر، ويساعدها على أن تصوغ القريض في أسلوب حكيم.
ومن مهيئات تلك النهضة الراقية: أن الشعر التونسي كان له في القرن الرابع جودة وحسن بيان، ومن حذاق شعرائه: علي بن العباس الأيادي، وهو الذي وصف سجع الحمائم عند فلق الصبح في أبيات قال فيها:
قد ولد الصبح فمات الدجى ... صاحت فلم ندر غِنا أم نواح
ومنهم: ابن عبدون السوسي، رحل إلى صقلية، ومما قال أيام رحلته متشوقاً إلى القيروان:
يا قصر طارق همي فيك مقصور ... شوقي طليق وخطوي عنك مأسور
إن نام جارك إني ساهر أبداً ... أبكي عليك وباكي العين معذور
عندي من الوجد ما لو فاض من كبدي ... إليك لاحترقت من حولك الدور
ويدلكم على ازدهار الشعر التونسي في القرن الرابع: أنه كان في متناول بعض السيدات المهذبات؛ مثل: خديجة بنت أحمد بن كلثوم المعافري.
وفي ذلك القرن ورد القيروان الشاعر المبدع أبو القاسم المعروف