بابن هانئ، وحط بها رحله، ونال لدى المعز العبيدي حظوة وكرامة. وأديب عبقري كابن هانيء ينزل وطناً، لا بد أن يكون له في حركته الأدبية أثر مبين.
ومن مهيئات تلك النهضة الراقية: أن الحضارة بالقيروان ما زالت تتقدم شوطاً فشوطًا، إلى أن أدركت في أوائل القرن الخامس غاية بعيدة، وأخذت مناظر أنيقة، فارتقت الصناعة، واتسعت طرق التجارة، وأنشئت القصور المشيدة، والمتنزهات الرائقة، فكان في بدائع المدنية وزخارف العمران ما ينمي قوة التخيل، وشماعدها على أن تسرح في حدائق فسيحة، وتصوغ المعاني في صور غريبة.
ومن مهيئات تلك النهضة الأدبية: أن المعز بن باديس الذي تولى الملك سنة ٤٠٦ كان على جانب عظيم من علوم اللغة وآدابها، فكانت دراسته لآداب اللغة العربية معينة له على تقدير قيمة الشعر، وباعثة له على الاحتفال بنوابغ الشعراء؛ ويحدثنا التاريخ: أنه كان لا يسمع بشاعر بارع إلا ويدنيه من حضرته، حتى اجتمع حول قصره نحو مئة شاعر يرأسهم أستاذه ووزيره علي بن أبي الرجال.
وتولى الملك بعد المعز ابنه تميم، وكان أديباً بليغاً، وقصدته الشعراء من الآفاق، فكانوا يجدون عنده من الاحتفاء البالغ ما كانوا يجدونه من والده المعز.
ولا شك أن إقبال المعز وابنه تميم من بعده على الشعراء إقبالاً يفتح في وجوههم أبواب الأمل، ويجعلهم في هناءة وراحة بال، مما يزيد الهمم تعلقاً بهذه الصناعة النبيلة.