التي ينزلون بها دروساً، أو يُدرسون بها علوماً يتلقاها عنهم بعض أهل العلم.
فرحلات العلماء والأدباء تنقل العلم والأدب من بلد إلى آخر على وجه أثبت وأنفع مما تنقله المؤلفات وحدها.
* أثر الرحلة في تنمية العلوم:
للرحلة فضل في نماء العلوم واتساع دائرتها، وكم من كتاب يعدّ في علمه من أمهات الكتب هو وليد الرحلة! ذلك أن أسد بن الفرات الراحل من القيروان إلى الشرق ورد مصر بعد أن تلقى العلم في الحجاز والعراق، وألقى على ابن القاسم أسئلة يطلب الجواب عنها على مقتضى مذهب الإمام مالك، وجمع تلك الأسئلة وأجوبتها في كتاب يسمّى:"الأسدية"، ثم رحل سحنون من القيروان بالأسدية إلى ابن القاسم، وعرضها عليه، وهذّبها، وأضاف إليها مسائل أخرى، وصارت تسمى:"المدونة"، وهي المشار إليها بقول بعض أهل العلم:
أصبحت فيمن له علم بلا أدبٍ ... ومن له أدب عار عن الدين
أصبحت فيهم فقيد الشكل منفرداً ... كبيت حسان في ديوان سحنونِ
وبيت حسان الذي لم يرد في "المدونة" غيره من الشعر هو قوله:
وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
ومن فضل الرحلة: أنها حفظت جانباً عظيماً من التاريخ، حفظته الكتب التي يودعها مؤلفوها ما شاهدوه في أسفارهم من وقائع وأحوال، مثل: رحلة ابن بطوطة، ورحلة العبدري، ورحلة ابن جبير، ورحلة خالد بن عيسى البلوي، وغيرها؛ فإنا نرى في هذه الرحلات أشياء لا نجدها فيما بين أيدينا من كتب التاريخ.