قال المؤلف في (ص ١٧٤): "وأنت إذا قرأت شعر طرفة، رأيت فيه ما ترى في أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين، ولا سيما المضريين منهم، من متانة اللفظ وغرابته أحياناً، حتى لتقرأ الأبيات المتصلة، فلا تفهم منها شيئاً دون أن تستعين بالمعاجم. ولكنك تلاحظ أن هذا الشعر أشبه بشعر المضريين منه بشعر الربعيين، وذكر أن الربعيين يتفقون في السهولة التي تبلغ الإسفاف، وأنه لا يستثنى من شعرهم إلا قصيدة الحارث ابن حلزة، ثم قال: دافكيف شذ طرفة عن شعراء ربيعة جميعاً، فقوي متنه، واشتد أسره، وآثر من الإغراب ما لم يؤثر أصحابه، ودنا شعره من شعر المضريين؟! ".
الألفاظ التي يتألف منها شعر طرفة واردة في كلام غيره من منظوم العرب ومنثورهم، وورودها في غير شعر طرفة دليل على أنها مألوفة الاستعمال لذلك العهد، وإذا كانت حروفاً عربية، وكانت من قبيل ما يأخذ به الفصحاء أشعارهم وخطبهم، لم يكن دخولها في شعر طرفة بمستنكر، كما أن أخذها في القصيدة مواقع متقاربة، وهي من الألفاظ العربية الصريحة، لا يثير في نفس الناظر ريبة، وإن لم يكثر استعمالها في المخاطبات أو المنشآت الأدبية كثرة استعمال السيف والرمح، والعلم والجهل، والقلب واللسان، والسماء والأرض، فما يجئ في شعر طرفة من هذه الأبيات التي نستعين على فهم بعض كلماتها بالمعاجم كقوله:
أمون كألواح الأران نصأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد
قد كان خطابها موجهاً إلى قوم يفهمونها لأول ما يسمعونها، كما