إذا القوم قالوا مَن فتى خلت أنني ... عُنيت فلم أكسل ولم أتبلّدِ
ولا ننكر مع هذا أن توصف الكلمة في عهدهم بالغرابة حيث لا تكون كثيرة الدوران في محاوراتهم، أو حيث تكون لغة قبيلة لم تتناولها الفصحاء من سائر القبائل، فيخفى فهمها على كثير من العرب أنفسهم.
ولا يبقى بعد هذا سوى النظر في اختلاف شعراء الجاهلية، حيث يذهب بعضهم في شعره إلى السهولة، فيصوغه من الكلمات الكثيرة الدوران في منشآت الفصحاء ومحاوراتهم، ويذهب آخرون إلى أن يدخلوا في نسجه شيئاً من هذه الكلمات الغريبة قليلاً أو كثيراً.
لا ننظر إلى الشعر في صدر الإسلام، أو في عهد الدولة الأموية، أو حين أخذت اللغة هيئة غير هيئتها الفطرية؛ فإن اختلاف الشعراء لهذه العصور في سهولة الألفاظ وغرابتها غني عن إقامة الشاهد والمثال، بل لا نذهب بالقارئ مذهب الإسهاب، فنسوق إليه شواهد من الشعر الجاهلي الذي قال عنه المؤلف: إنه منتحل انتحالاً. وإنما ننظر في الشعر الجاهلي الذي عفا عنه المؤلف، ولم يجعل على الناس من حرج في أن يضيفوه إلى قائله الجاهلي الصريح.
قد كف المؤلف يده في فصل سلف عن قصيدتين لعلقمة، ورفع من قلبه الشك فيهما، وأنت حين تقرؤهما تجد فيهما سهولة شعر مهلهل، وامرأة أخيه جليلة، وعمر بن كلثوم، وتجده يقول في البائية:
منعمة ما يستطاع كلامها ... على بابها من أن تزار رقيبُ
إذا غاب عنها البعل لم تفش سره ... وترضى إياب البعل حين يؤوب