يعرف الأدباء والعلماء أن في هذه الكتب طيبّاً وخبيثاً، ويتمنون لمطالعها أن ينقدها بحكمة وأناة، ويهتزون طرباً لباحث ماز فيها خبيثاً عن طيب، وإذا رآهم المؤلف ينقلون عنها تاريخاً أو أدباً، فها هو ذا يرجع إليها فيما يحتاج إليه من أدب أو تاريخ، وإذا قال: إنهم يأخذون منها أشياء، ولا ينقدونها كما أنقدها، قلنا له: قد أخذت منها آثاراً لم تحس باصطناعها، وأخرى لم تشعر بتحريفها.
* أداة حاكية، وكتب ومقالات متحركة:
قال المؤلف في (ص ١٢٨): "لأنصار القديم أن يرضوا لأنفسهم بهذا النحو من أنحاء الحياة العلمية، أما نحن، فنأبى كل الإباء أن نكون أدوات حاكية، وكتباً متحركة، ولا نرضى إلا أن تكون لنا عقول نفهم بها، ونستعين بها على النقد والتمحيص في غير تحكم ولا طغيان".
يخرج المؤلف للتردد على مثل هذه الجمل الداخلة في استطاعة كل كاتب؛ ليتخذ منها شاهداً على أن له عقلاً يستعين به على النقد والتمحيص! لا نستبعد أن يكون لتلاوة هذه الجمل سرّ يظهر أثره في نفوس الطائفة التي يسميها: مستنيرة. وإنما الذي نراه لائقاً بمن يبحث وهو على ثقة من حسن تصرفه، وقوة حجته، أن يسترسل فبم الموضوع، ويأخذ البحث بالنقد والتمحيص، فلا يسع القراء إلا أن يشهد وابن له عقلاً ينقد ويمحص، ولا خير في مؤلف يدّعي أنه يأبى أن يكون أداة حاكية أو كتاباً متحركاً، وأنت إذا قلبت نظرك فيما يؤلّف، وجدته يشهد بملء صفحاته على أن صاحبه أداة حاكية، وكتب ومقالات متحركة.