قال المؤلف في (ص ٣): "فالعلماء قد اختلفوا في الرواية بعض الاختلاف، وتفاوتوا في الضبط بعض التفاوت، فلنوازن بينهم، ولنرجح رواية على رواية، ولنؤثر ضبطاً على ضبط، ولنقل: أصاب البصريون، وأخطأ الكوفيون، ووفق المبرّد، ولم يوفق ثعلب. ولنذهب في الأدب وفنونه مذهب الفقهاء في الفقه بعد أن أغلق باب الاجتهاد؛ وهذا مذهب أنصار القديم، وهو المذهب الذائع في مصر، وهو المذهب الرسمي أيضاً، ومضت عليه مدارس الحكومة وكتبها ومناهجها على ما بينها من تفاوت واختلاف".
لا نعرف في الأدب مذهباً يضع الباحث في قيد، فللمؤلف أن لا يقف عند ترجيح رواية على رواية، وإيثار ضبط على ضبط، والحكم للبصريين على الكوفيين، والانتصار للمبرد على ثعلب، وله أن يقول: كلتا الروايتين مصطنعة، وكلا الضبطين تحريف، والبصريون والكوفيون جميعاً في عماية، والمبرّد وثعلب كلاهما محروم من التوفيق، وله أن يقطع الصلة بين كل شعر وقائله، وأن ينفي الشعراء قاطبة من الأرض، وليس عليه إلا أن يأتي البحث من طرقه المعقولة، ولا ينسى حكمة القرآن في قوله:[وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ][يوسف: ٧٦].
وأكاد لا أثق بأن المؤلف يعتقد بوجود مذهب أدبي ينكر التوسع في البحث إلى ما يستطيع العالم التحرير، ولا أراه إلا أنه صمم على أن يتنحّى عن الأدب في بعض المواضع، ويقضي مأرب الطعن في الإسلام. وحيث عرف أن المؤمنين يأبون أن يسمعوا صوت الجاهل على دينهم، رأى أن يحمي تلك الأقوال اللاذعة بما ينادي به في طالع كتابه من أن في الأدب