للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّيانة والحريّة المطلقة (١)

لو سُئل الذين أوتوا الحكمة وفصل الخطاب، أن يشرِّعوا للناس طرائق تكون لهم أجمل مكان يستشرفون منه على حقيقة العدالة والأخلاق الكاملة، وحدوداً تلم لهم بحفظ الحقوق الإنسانية، تتناولهم إصلاحاتها ما تداولت الأيام، وتضم عليهم أزرارها أينما سكنوا، لضلت عليهم أنباؤها، وعثرت عقولهم في ذيل الحصر، وإن اجتمعوا على صعيد واحد وكان بعضهم لبعض ظهيراً.

إن البشر مهما اتسعت مداركهم، وسمت أفكارهم، لا يمكنهم الإحاطة بمطالب الحياة الاجتماعية والتوصل إلى كل ما يحتاجه الإنسان في وجوده المدني، لأن العقل الذي امتازوا به عن سائر الحيوان، وصاروا به معدن العلم ومركز الحكمة، غايته معرفة كليات الأشياء دون الاطلاع على جميع جزئياتها، فلا يكاد يدرك كل مصلحة مصلحة، ويتصور كل مفسدة مفسدة، نحو أن يعلم حسن اعتقاد الحق وحسن استعمال العدالة وملازمة العفة، لكنه قد يخفى عليه أن اعتقاد كذا حق، وفعل كذا من العدالة، وترك كذا من العفة، كمثل الفقيه، يعلم أحكام الحوادث الكونية، وليس له قوة فائقة في إعطاء الوقائع حكمها الواجب لها، أو مثل الطبيب يعلم الأدوية وخواصها،


(١) العدد السابع عشر - الصادر في غرة رمضان المعظم ١٣٢٢.