وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة مسنداً ظهره إلى جذع منصوب في المسجد، ثم أمر فصنع له منبر من طرفاء الغابة، وكان المنبر مركباً من ثلاثة درج، ويقي بهذه الهيئة حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله، وقال: إنما زدت فيه حين كثر الناس.
وكان العرب يخطبون من قيام، ولا يخالفون هذه العادة إلا في خطبة النكاح، فإنهم يلقونها من جلوس؛ إذ ليس من شأنها أن تحتوي معاني تدعو الحاجة إلى أن يسمعها جميع الحاضرين.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يخطب قائماً، وكذلك كان شأن الخلفاء الراشدين، وروي أن معاوية بن أبي سفيان -رحمه الله- خطب جالساً، وذكروا في وجه الاعتذار عنه: أنه جلس للخطبة حين ثقل جسمه، وروى مسلم في "صحيحه": أن عبد الرحمن بن الحكم خطب في يوم جمعة قاعدًا، فأنكر عليه بعض الصحابة وقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعدًا، والله تعالى يقول:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}[الجمعة: ١١].
وقد اتفق العلماء على أن القيام في الخطبة مشروع، وإنما اختلفوا في تقدير المشروعية، فذهب فريق إلى أنه شرط في صحة الخطبة، وقال آخرون: إنه واجب، والذي اعتمده الحنفية: أنه سنَّة، ولا يبلغ حد الوجوب، فلو خطب قاعدًا، مضت الخطبة على ما نقصها من أدب كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحافظ عليه ما دام حيًا.
* الإرتاج في الخطابة:
قد يعرض للخطيب - وإن كان ذا عارضة قوية - ما يسمونه: إرتاجاً،