ذكر المؤلف أن لتأثير العواطف الدينية في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين فنوناً، وأن ما تحدث به من قبل فنونها الهينة، ويريد الآن أن يتحدث عن أعظم هذه الفنون كلها، وهو هذا النوع الذي ظهر عندما استؤنف الجدال في الدين بين المسلمين وأصحاب الملل الأخرى، ولا سيما اليهود والنصارى.
ثم قال في (ص ٨٠): "وذهب المجادلون في هذا النوع من الخصومة مذاهب لا تخلو من غرابة، نحب أن نشير إلى بعضها في شيء من الإيجاز. أما المسلمون، فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي، وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحقال في أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل. فليس غريباً أن نجد قبل الإسلام قوماً يدينون بالإِسلام، أخذوه من هذه الكتب السماوبة التي أوحيت قبل القرآن".
يصرح القرآن بأن إبراهيم - عليه السلام - بنى البيت الحرام، وأن العرب النازلين حول مكة من ذريته، وأن لهذا الرسول شريعة، وأن شريعته وشريعة الإسلام تتحدان في التوحيد الخالص، وبعض الأحكام والآداب، ولاتحاد الملتين في العقائد والآداب نطقت الآيات بأن دين الإسلام هو ملة إبراهيم - عليه السلام -، فقال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج: ٧٨].