فلم يقدر أحد منا أن يرده عليه، فقلت له: لا يحل لي أن أسمع حديثاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه خطأ أو تحريف فلا أرده.
فلعل قلب ذلك القاضي كان متعلقاً بزخرف الحياة حتى أصبح يؤثره على قول الحق، أما ابن خزيمة، فليس لزخرف الحياة وأبهة الإمارة في جانب قول الحق عنده من قيمة.
وإذا كان الموسر الذي يسرف في الزيية والملاذ موضع الملامة، فأولى باللوم والموعظة ذلك الذي يتكلف للملابس النفيسة، أو المطاعم الفاخرة، ويأتيها من طريق الاقتراض؛ فإن الهم والذل اللذين يجرهما الدَّين يقلبان كل صفو إلى كدر، وكلَّ لذة إلى مرارة، وقد أصاب الرمية ذلك الشاعر يقول:
إذا رمتَ أن تستقرض المالَ من أخٍ ... تعوَّدتَ منه اليسر في زمن العُسرِ
فسلْ نفسك الإنفاق من كيس صبرها ... عليك وإنظاراً إلى ساعة اليسر
فإن أسعفت كنت الغنيَّ وإن أبتْ ... فكلُّ منوعٍ بعدها واسع العذر
وإنما رجل الدنيا وواحدها من تكون همته وإرادته فوق عواطفه وشهواته، فإذا نزعت نفسه إلى زينة أو لذة لا ينالها إلا أن يبذل شيئاً من كرامته، راضها بالحكمة، وأراها أن مثقال ذرَّة من الكرامة يرجح بالقناطير المقنطرة من زينة هذه الحياة وملاذها.
* الغلو في ترك الزينة والطيب من الرزق:
ومما جاء في كراهة المبالغة في الامتناع من الزينة والطيب من الرزق: قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: ٣٢]. وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا