للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنحى عليها بالإنكار.

* قوة الحافظة عند القدماء والمعاصرين:

قال المؤلف في (ص ١٣٠): "فهل تظن أن الذين يثقون بخلف، وحمّاد، والأصمعي، وأبي عمرو بن العلاء، يثقون بهم لشيء غير ما قدمت لك؟ كلا! كان هؤلاء الناس أحسن من المعاصرين أخلاقاً، وأقل منهم ميلاً إلى الكذب، كانوا أذكى منهم أفئدة، كانوا أقوى منهم حافظة، كانوا أثقب منهم بصائر، لماذا؟ لأنهم قدماء؛ لأنهم كانوا يعيشون في هذا العصر الذهبي! أليس العصر العباسي عصراً ذهبياً بالقياس إلى هذا العصر الذي نعيش فيه؟! ".

لم يكن رأي أهل العلم في هؤلاء الرواة إلا على نحو ما يسعه تاريخ حياتهم، فيجيزون على خلف أن يكون صنع أشعاراً، ونحلها طائفة من الشعراء، ثم أناب، وبيّن ما نحل من الشعر، ويرون أن حمّاداً لم يكن صادقاً في كل ما يرويه، وأن أبا عمرو بن العلاء، والأصمعي كانا على صدق فيما يرويان، وأنّ صدقهما لا يمنع من أن يطلع باحث ذو أناة على أن شعراً منحولاً دخل فيما روياه.

ولم يغب عن الناس حال تلك المبالغات التي تدخل في تقدير محفوظات القدماء، وإذا كان ما يحفظه أولئك الرواة من الشعر أكثر مما يحفظ أدباء هذا العصر وعلماؤه، فلأنهم كانوا ينفقون مجهودهم في هذا السبيل، ولو أن قويّ الحافظة في عصرنا يصرف شبيبته في حفظ اللغة والشعر كما يصرفون، ويعرف أن لعمله قيمة كما عرفوا، لكان نصيبه منهما لا يقل عن نصيب حماد، أو أبي عمرو، أو خلف، أو الأصمعي.