أحدهما: أن ينشأ عن الأمر أو النهي مفسدة أعظم، وذلك ما تقتضيه قاعدة: ارتكاب أخفّ الضررين إذا تعارضا. ومن شواهده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره من الصحابة تناولهم الأعرابي حين أخذ يبول في المسجد، ونهاهم عن ذلك، وقال:"إنما بُعثتم ميسرين، ولم تُبعثوا معسرين"، فالبول في المسجد تلطيخ لمحل العبادة بنجاسة، وفي قطعه عمن شَرع فيه مفسدة أكبر منه، وهي ما يحدث عنه من علة في البدن. والنجاسة تزال بالماء. ومن العلل ما ينبو عنه رأي الطبيب، ويخونه فيه الدواء، واعتناء الإسلام بالمحافظة على سلامة الأبدان غير قليل.
ويماثل هذا: أن يكون صاحب الضلالة ممن يطغى على الداعي، ويستنكف أن يكون بمنزلة المصادر عن إرشاده أو تذكيره، فيأخذه الإعجاب بسطوته إلى ارتكاب جهالة أفظع من الأولى حتى يغيظ داعيه إلى الخير، ويتظاهر بالغلو في مخالفة أمره أو نهيه.
ولا يدخل في هذا القبيل أن تجري عادة العامة بترك سنّة، أو فعل بدعة، ويكون أمرهم أو نهيهم سبب ثورة لا تتجاوز القلم أو اللسان، فإذا شد المصلح قلبه بإخلاص، وتحرَّى الأدب جهده، فلا جرم أن يكون لدعوته