الأثر النافذ، والعاقبة الحسنة، وليس السكوت عن صنيعهم، أو التمحل في تأويله، والفتوى بصحته، إلا مداهنة وإيثاراً للخلق على الحق، ولا يلبس هذه الخصلة المنكرة إلا قصير النظر، أو ضعيف الإرادة.
ولا حقَّ لأحد في أن يكتم ما فرض الله معرفته معتذراً بالخوف من أن يقع المخاطبون في سوء فهم، أو اضطراب فكر؛ فإن هذا النوع من العلم لا تحار في إدراكه العقول، وإنما يقوم مثل هذا معذرة للسكوت عن الحق الذي لم يكلف الناس بعلمه، وهو المراد يقول الإمام علي - كرم الله وجهه -: "حدثوا الناس بما يفهمون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟! "، ومن هذا: حديث عائشة - رضي الله عنها-، قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة! لولا قومك حديثٌ عهدهم بكفر- وفي رواية "بجاهلية" -، لنقضتُ الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس، وباب يخرجون"، والذي تحاماه - صلى الله عليه وسلم - أن يظن بعضهم - لقرب عهدهم بالإسلام - أنه غيّر بناء الكعبة لينفرد بالفخر عنهم.
ثانيهما: أن يوقعه الأمر أو النهي في بلاء، ويلحق به ضرراً فادحاً. وعدّ الإمام الغزالي من هذا البلاء: الاستخفاف به على وجه يزري بكرامته. وقد يكون هذا عذراً في صرف الدعوة عن طائفة خاصة عرف منها هذا الخلق اللئيم، ولا يصح أن يكون عذراً في الإحجام عن دعوة الأمة إلى صالح، وإن وجد فيها طائفة تطلق ألسنتها بسباب المصلحين، وتباهتهم في المجامع أو الصحف بغير حساب.
وقد اتخذ بعض المفسدين هذا السباب والمباهتة سلاحاً يشهرونه في وجوه من يعترضون دعايتهم بالإنكار، ولو كان مثل هذا الأذى يجيز لأهل