العلم أن يخلوا سبيلهم، ويغمضوا عن منكراتهم، لسرت تلك الدعاية سريان السم الناقع، ولوثت هذه الفطرة السليمة برجس الغواية، ولا مرية في أن بلية الإغواء أشد إيلاماً لعقلاء الأمة، وأسوأ عاقبة من أن تنهش أعراضهم بألسنة حداد.
ويرى الشيخ ابن عرفة: أن خوف العزل من المنصب لا يعد عذراً يسقط عن الرجل فريضة النهي عن المنكر، وإذا كان بعض من لا يرجون لله وقارًا، قد يدعوه الحرص على إحراز سمعة فاخرة إلى أن يذود عن المصلحة العامة، وبزدري الولاية، ولا يبالي أن يصبح عاطلاً من قلادتها، أفلا يليق بأهل التوحيد الخالص - ما داموا يستيقنون أن الله يرزق الداعي إلى الإصلاح من حيث لا يحتسب - أن يكون أزهد الناس في المنصب الذي يطوي ألسنتهم عن قول الحق، أو يحملهم على مجاراة رئيس لا ينهى النفس عن الهوى؟!.
فإذا اعتقد الداعي إلى الإصلاح بما يناله من عذاب وبلاء، فهو في سعة واختيار من تحمل الأذى، أو طلب السلامة، فإن شاء، أخذ بالعزيمة، ورفع صوته بالدعوة إلى الحق، وإن شاء، تمسك بالرخصة التي يتمسك بها المستضعفون من الرجال والنساء.
وقد آثر جماعة من علماء الإسلام؛ لقوة غيرتهم على العدل، وشدة رغبتهم في الصالحات، أن يأخذوا بالعزم، وبحافظوا على الجهر بالإرشاد، وإن كره المفسدون جهرهم، وأذاقوهم من ألوان جورهم عذاباً أليمًا.
ومن قصصهم في هذا الشأن: أن الملك إسماعيل والى الإفرنج، وسلَّم لهم "صيدا"، وغيرها من الحصون؛ لينجدوه على الملك نجم الدين أيوب،