أنشدته نحو العشرة، قال: حسبك، ثم أعطاني خمسين ديناراً. فمحاضرة هذا الأمير لأهل العربية في دقائقها واحداً بعد واحد، ومكافأته في مثل إنشاد البيت الواحد بخمسة دنانير، مما يتوجه بعزائم قومه إلى التسابق في طرق التعليم، ويشد رغبتهم في الاستقاء من موارده العالية.
* معنى كلمة المسجد:
ومما عرض في المذاكرة: أن بيت المقدس كان عند نزول قوله تعالى: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الإسراء: ١] خرب، وقال ابن عساكر في "تاريخه": إن بيت المقدس حين فتحت كانت منقوضة، وإن عمر هو الذي أمر ببناء المسجد. وكان الجواب عن الآية: أن المسجد اسم للمكان الذي أعد للسجود، وليس من شرط إطلاق المسجد على المكان أن يكون محاطاً ببناء، وعلى إرخاء العنان، وتسليم اعتبار شرط البناء في هذا الإطلاق، فباب المجاز مفتوح، فقد كان قبل نزول الآية ذا بناء كما صار أمره بعد نزولها إلى إقامة جدرانه.
* ساعات في الإسكندرونة:
وقفت الباخرة بمرأى من طرابلس الشام، وفاتنا أن ننزل إلى داخل البلد؛ لما سبق في ظننا أن الباخرة لا تلبث المدة الكافية للتجول بها، ولكنها أقامت عشية وضحاها.
سارت الباخرة إلى أن وصلت مرساها إزاء إسكندرونة، فنزلنا للاستطلاع عليها، لبثنا فيها نحو ثلاث ساعات، ثم عدنا إلى الباخرة، وهذه البلد يحيط بها الجبل من جهة البر، ولغة أهلها العربية والتركية.
جلسنا على سطح الباخرة قبل أن تقلع، فطلع القمر من رأس الجبل، وبسط شعاعه على البحر، فأنفذ لنا منظراً يهز القرائح لنسج القريض، فأنشأ