للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام والمدنية الحديثة (١)

قد تدرك العقول بنفسها حسن الأفعال أو قبحها لأول نظرة، أو بعد تأمل صروية، وتتفاوت العقول في إدراك حسن الأفعال وقبحها، حتى إن الفعل الواحد قد يبدو لعقل حسناً، ولعقل آخر قبيحاً، وقد يكون في بعض الأفعال وجه من الحسن أو القبح لا تجتليه العقول، فتقف تجاهه غافلة عنه، أو مشتبهة في أمره.

ولاختلاف العقول في إدراك حسن الأشياء وقبحها، اختلفت المذاهب، وتعددت الفرق: إلى عبّاد النار، وعبّاد الكواكب، وعبّاد الأحجار، وعبّاد بعض الحيوان، واختلفت الآراء في مظاهر العبادات، وفي القوانين التي تساس بها الرعايا، وفي العادات، هذا يستحسن أمراً، وهذا يستهجنه.

وعلى فرض أن تكون العقول متفقة أو متقاربة في إدراك الحقائق والمصالح، فهناك قوة في النفس قد تعارض العقل، وتشق عصا طاعته في كثير من الأحيان، وهي الإرادة، فقد يدرك الإنسان حسن شيء، وتأبى إرادته أن تتجه إليه، أو يدرك قبح شيء، وتنصب عليه إرادته، فإن الإرادة؛ قد تنبعث عن علم صحيح، وقد تسوقها أهواء طاغية، أو عادات مستحكمة.


(١) مجلة "لواء الإسلام" - العدد الثاني من السنة الأولى، الصادر في أول شوال ١٣٦٦ هـ - ١٧ أغسطس ١٩٤٧ م - القاهرة.