فالناس في حاجة إلى قوة تفيض أشعتها على العقول، فتتقارب في إدراك الحقائق والمصالح، وتوجه الإرادة إلى ما أدرك العقل حسنه، أو تصرفها عما أدرك العقل قُبْحه، وليست هذه القوة سوى: الدين الحق.
فالدين يهدي العقول إلى ما تغفل عنه، أو تقصر عن إدراكه من وجوه الإصلاح، ويروّض الإرادة حتى تساير العقل في اتجاهه السديد.
وللدين مزية أخرى في إصلاح المجتمع، هي أن البراهين القائمة على أنه وضع إلهي، تكسو أوامره مهابة، فتتلقى بالطاعة في السر والعلانية.
ومن مزايا الدين في الإصلاح: أن المؤتمِرَ بأوامره يشعر بأنه يعمل ابتغاء رضا الخالق - جلّ شأنه -، فهو يرجو الجزاء الأكبر في حياته الأخرى، زيادة على أن عمله الصالح كلبنة في رقي أمته، أو حلقة في نظام حياتها المطمئنة، وذلك الشعور يزيد عزمه على القيام بالأعمال الجليلة شدة، وبحثه على أن يتحرى بأعماله غاية ما يستطيع من الإتقان.
وإذا رأينا في بعض من ينتمون إلى الدين الحق وهناً في العزم، أو صغراً في الهمة، أو ضيقاً في العمل، فالدين بريء من تبعة هذه النقائص، وإنما تبعتها على أصحابها خاصة إن كانوا يعلمون، أو على من يوكل إليهم أمر التعليم، حيث لم يقوموا عليه بكفاية وأمانة.
ومن هنا كان تعرُّفُ حقائق الأديان من أحوال المنتمين إليها خطأً مبيناً، وإنما تعرف حقائق الدين من كتابه السماوي، أو حديث المبعوث به، حيث لم يطرأ عليه تغيير أو تحريف.
فما وعد الله به أهل الدين من عزة في الدنيا، أو فوز على الأعداء، إنما هو وعد لمن تلقوا ذلك الدين بإيمان يحملهم على أن يمتثلوا أوامره، ويجتنبوا